سورة الزخرف - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزخرف)


        


{وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)}
{لِبُيُوتِهِمْ} بدل اشتمال من قوله: {لِمَن يَكْفُرُ} ويجوز أن يكونا بمنزلة اللامين في قولك: وهبت له ثوباً لقميصه. وقرئ {سقفاً} بفتح السين وسكون القاف. وبضمها وسكون القاف وبضمها: جمع سقف، كرهن ورهن ورهن.
وعن الفراء: جمع سقيفة وسقفاً بفتحتين، كأنه لغة في سقف وسقوفاً، ومعارج ومعاريج. والمعارج: جمع معرج، أو اسم جمع لمعراج: وهي المصاعد إلى العلالي {عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} أي على المعارج، يظهرون السطوح يعلونها، فما اسطاعوا أن يظهروه. وسرراً، بفتح الراء لاستثقال الضمتين مع حرفي التضعيف {لَمَّا متاع الحياة} اللام هي الفارقة بين إن المحففة والنافية. وقرئ بكسر اللام، أي: للذي هو متاع الحياة، كقوله تعالى: {مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً} [البقرة: 26] ولما بالتشديد بمعنى إلا، وإن نافية. وقرئ (إلا) وقرئ: وما كل ذلك إلا. لما قال: {خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32] فقلل أمر الدنيا وصغرها: أردفه ما يقرّر قلة الدنيا عنده من قوله: {وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً واحدة} أي: ولولا كراهة أن يجتمعوا على الكفر ويطبقوا عليه، لجعلنا لحقارة زهرة الحياة الدنيا عندنا للكفار سقوفاً ومصاعد وأبواباً وسرراً كلها من فضة وزخرف، وجعلنا لهم زخرفاً، أي: زينة من كل شيء. والزخرف: الزينة والذهب. ويجوز أن يكون الأصل: سقفاً من فضة وزخرف، يعني: بعضها من فضة وبعضها من ذهب، فنصب عطفاً على محل {مِن فِضَّةٍ} وفي معناه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو وزنت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء» فإن قلت: فحين لم يوسع على الكافرين للفتنة التي كان يؤدّي إليها التوسعة عليهم من إطباق الناس على الكفر لحبهم الدنيا وتهالكهم عليها، فهلا وسع على المسلمين ليطبق الناس على الإسلام؟ قلت: التوسعة عليهم مفسدة أيضاً لما تؤدى إليه من الدخول في الإسلام لأجل الدنيا، والدخول في الدين لأجل الدنيا من دين المنافقين، فكانت الحكمة فيما دبر: حيث جعل في الفريقين أغنياء وفقراء، وغلب الفقر على الغنى.


{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)}
قرئ {ومن يعش} بضم الشين وفتحها. والفرق بينهما أنه إذا حصلت الآفة في بصره قيل: عش. وإذا نظر نظر العشى ولا آفة به قيل عشا. ونظيره: عرج، لمن به الآفة. وعرج، لمن مشى مشية العرجان من غير عرج. قال الحطيئة:
مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إِلَى ضَوْءِ نَارِهِ ***
أي: تنظر إليها نظر العشيّ لما يضعف بصرك من عظم الوقود واتساع الضوء. وهو بَيِّنٌ في قول حاتم:
أَعْشُو إِذَا مَا جَارَتِي بَرَزَت *** حَتَّى يُوَارِيَ جَارَتِي الْخُدْرُ
وقرئ {يعشوا} على أنّ من موصولة غير مضمنة معنى الشرط. وحق هذا القارئ أن يرفع نقيض. ومعنى القراءة بالفتح: ومن يعم {عَن ذِكْرِ الرحمن} وهو القرآن، كقوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ} [البقرة: 18] وأما القراءة بالضم فمعناها: ومن يتعام عن ذكره، أي: يعرف أنه الحق وهو يتجاهل ويتغابى، كقوله تعالى: {وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتها أَنفُسُهُمْ} [النمل: 14] {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً} نخذله ونخل بينه وبين الشياطين، كقوله تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء} [فصلت: 25]، {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين} [مريم: 83] وقرئ {نقيض} أي: يقيض له الرحمن ويقيض له الشيطان.
فإن قلت: لم جمع ضمير من وضمير الشيطان في قوله: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ}؟ قلت: لأنّ (من) مبهم في جنس العاشي، وقد قيض له شيطان مبهم في جنسه، فلما جاز أن يتناولا لإبهامهما غير واحدين: جاز أن يرجع الضمير إليهما مجموعاً {حتى إِذَا جَاءَنَا} العاشي. وقرئ {جاآنا} على أنّ الفعل له ولشيطانه. {قَالَ} لشيطانه {ياليت بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المشرقين} يريد المشرق والمغرب، فغلب كما قيل: العمران والقمران.
فإن قلت: فما بعد المشرقين؟ قلت: تباعدهما، والأصل: بعد المشرق من المغرب، والمغرب من المشرق. فلما غلب وجمع المفترقين بالتثنية: أضاف البعد إليهما {أَنَّكُمْ} في محل الرفع على الفاعلية، يعني: ولن ينفعكم كونكم مشتركين في العذاب كما ينفع الواقعين في الأمر الصعب اشتراكهم فيه، لتعاونهم في تحمل أعبائه وتقسمهم لشدّته وعنائه، وذلك أنّ كل واحد منكم به من العذاب ما لا تبلغه طاقته، ولك أن تجعل الفعل للتمني في قوله: (يا ليت بيني وبينك) على معنى: ولن ينفعكم اليوم ما أنتم فيه من تمنى مباعدة القرين. وقوله: {أَنَّكُمْ فِي العذاب مُشْتَرِكُونَ} تعليل، أي: لن ينفعكم تمنيكم؛ لأنّ حقكم أن تشتركوا أنتم وقرناؤكم في العذاب كما كنتم مشتركون في سببه وهو الكفر. وتقوّيه قراءة من قرأ {إنكم} بالكسر وقيل: إذا رأى الممنوّ بشدّة من منى بمثلها: روّحه ذلك ونفس بعض كربه، وهو التأسي الذي ذكرته الخنساء:
أُعَزِّي النَّفْسَ عَنْهُ بِالتَّأَسِّي ***
فهؤلاء لا يؤسيهم اشتراكهم ولا يروّحهم؛ لعظم ما هم فيه.
فإن قلت: ما معنى قوله تعالى: {إِذ ظَّلَمْتُمْ}؟ قلت: معناه: إذ صح ظلمكم وتبين ولم يبق لكم ولا لأحد شبهة في أنكم كنتم ظالمين، وذلك يوم القيامة. وإذ: بدل من اليوم. ونظيره:
إِذَا مَا انْتَسَبْنَا لَمْ تَلِدْنِي لَئِيمَة ***
أي: تبين أني ولد كريمة.


{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (40)}
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد ويجتهد ويكدّ روحه في دعاء قومه، وهم لا يزيدون على دعائه إلا تصميماً على الكفر وتمادياً في الغيّ، فأنكر عليه بقوله: {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم} إنكار تعجيب من أن يكون هو الذي يقدر على هدايتهم، وأراد أنه لا يقدر على ذلك منهم إلا هو وحده على سبيل الإلجاء والقسر، كقوله تعالى: {إِنَّ الله يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي القبور} [فاطر: 22].

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9